[ad_1]
إن البحث في تاريخ القبائل العربية يعد محوراً مهماً من محاور فهم حركة التأريخ الإسلامي ، فبيئة الاسلام الأولى بيئة عربية قبلية صميمة ، فعلى أكتاف القبائل العربية قامت دولة الاسلام ، التي شجعت تلك القبائل على التنافس في نصرة الاسلام ، دون أن تحاول تمزيق أو خلخلة البنية الاجتماعية لتلك القبائل ، لا بل أن الدولة الاسلامية في فجر تاريخها حافظت على هوية تلك القبائل ، و ذلك لاعتبارات دينية ، و تنظيمية ، و سياسية ، و عسكرية ، و أمنية ، فقد نظمت الدولة الاسلامية دواوينها الأولى على حسب الأنساب ، و عندما أسكنت القبائل العربية في الأمصار الجديدة ، أسكنت حسب أنسابها ، ليسهل الاستدعاء للجيش ، و ليسهل المراقبة الأمنية ، فيعرف الغرباء و الوافدون لتلك الأمصار و الأحياء الى غير ذلك من الإعتبارات .
وزادت العناية بتلك القبائل عندما أخذت بعض الدول الاسلامية تتكئ على بعضها دون البعض الآخر ، مما أحيا العصبية القبلية التي كانت وبالاً على تلك الدول و أدت في نهاية المطاف الى اضمحلالها و سقوطها و هي في أوج شبابها .
لقد كنت طوال السنوات الماضية متردداً في الخوض في مثل هذا اللون من الدراسات ,وأسباب هذا التردد تعود الى قناعتي بأن عهد التفاخر بالأنساب والأمجاد قد ولى ,وأنه أجدى بنا أن نلتفت الى واقعنا ،ونقدر الأفراد والجماعات على ضوء عطائهم لأمتهم وتفانيهم في خدمة أهدافها.أما السبب الأخر لهذا االتردد فهو أنني أعي أن الباحث عندما يتناول موضوعاً يخصه قد يحيد عن الموضوعية بعض الشيء لذا كنت أتمنى أن يتناول تاريخ هذه القبيلة أحد الباحثين من خارج القبيلة ,وانتظرت سنوات طويلة ,وتحقق ما كنت أتمناه ,فكانت قبيلة بلي محل اهتمام العديد من الباحثين ,فخرجت عدة دراسات تتحدث عن اسهامات بعض رجالات هذه القبيلة في حضارتنا العربية الاسلامية ,التي من أهمها :تاج المفرق في تحلية علماء المشرق (رحلة البلوي)في مجلدين ,لأبي البلقاء خالد بن عيسى البلوي (ت ـ حوالي 780 هـ ـ1378م) الذي قام بتحقيقه الحسن السائح ،و نشر بدعم من صندوق إحياء التراث الإسلامي المشترك بين حكومة المملكة المغربية و حكومة الامارات العربية المتحدة عام 1404هـ / 1984م ، و ثبت البلوي ، لأبي جعفر أحمد بن علي البلوي الوادي آشي ( ت / 938هـ / 1532م ) ، الذي كان موضوعاً لأطروحة الدكتوراه لعبدالله العمراني ، و ذلك بتشجيع من المستشرق الأسباني المعروف الدكتور لويس سيكودي لوثينا ، الذي كان طوال تدريسه في جامعة غرناطة يحث طلابه على تحقيق هذا الكتاب ، و قد صدرت أول طبعة لهذا الكتاب باللغة العربية عن دار الغرب الإسلامي عام 1403هـ / 1983م .
أما كتاب باء ,لأبي الحجاج يوسف بن محمد بن عبد الله البلوي ,المعروف بابن الشيخ (ت\ 604هـ\ 1208م )فقد رأى النور منذ فترة مبكرة اذ صدرت الطبعة الأولى منه في مجلدين عام 1287هـ/1870م وكان محل اهتمام الباحثين في اللغة والأدب والتاريخ .
كما صدر كتاب سيرة ال طولون , لأبي محمد عبد الله بن محمد البلوي ,بعناية محمد كرد علي عام 1358هـ / 1939م ,ونال بعض الباحثين جوائز علمية رفيعة لجهودهم في ابراز مكانة بعض أبناء هذه القبيلة في حضارتنا الإسلامية أمثال الباحثة اللبنانية وداد قاضي التي نالت جائزة الملك فيصل العالمية لجهودها في نشر رسائل بشر البلوي . فضلاً عن حرص بعض المكتبات على إقتناء بعض المخطوطات لبعض علماء هذه القبيلة ، و التعريف بتلك المخطوطات في نشراتها المختلفة لتشجيع الباحثين على تحقيقها ، و لعل الخزانة العامة في الرباط من أهم المكتبات التي تحوي بعض المخطوطات الخاصة بهذه القبيلة إلى جانب مكتبة الأسكوريال في إسبانيا .
لقد فتح هؤلاء الباحثين الباب واسعاً أمامي بعدما حققوا تلك المؤلفات ، و أبرزوا في مقدمات تحقيقاتهم نبذاً مختصرة عن دور هذه القبيلة في بناء حضارتنا العربية الإسلامية في مختلف البيئات و العصور ، عندها رأيت أنه لا حرج من تناول تاريخ هذه القبيلة بشكل خاص ليحذوا حذو أجدادهم فيشمروا عن سواعد الجد و يصلوا ما انقطع من تاريخهم المشرف ، فضلاً عن خدمة المعرفة التاريخية بتقديم معلومات قم تساعد على فهم بعض جوانب تاريخنا المجيد .
لقد واجهت هذه الدراسة في بداية مشوارها بعض الصعوبات من ابرزها ، أن الدارس لمثل هذه الموضوعات لا بد له من تعمق في علم الأنساب ، لأن الكثير من افراد هذه القبيلة قد ينتهي إسمه بإسم فخذ أو بطن من بطون بلي دون ذكر إسم القبيلة ، و حاولت أن أجهد نفسي للتغلب على هذه العقبة فوجدت ذلك يحتاج الى وقت ، و الوقت لا يسعفني خصوصاً عندما قررت مغادرة الوطن العربي ، و فارقت مكتبتي الأثيرة على نفسي ، فقررت عندها ألا أثبت في هذه الدراسة الا من صرحت به كتب التراجم و التاريخ دون لبس بأنه من قبيلة بلي ، أو حتى اتضح أنه لا يمكن تتبع العديد من أبناء هذه القبيلة ممن قاموا بدور مشرف في تاريخنا المجيد ، عندها قررت الاكتفاء بذكر المشاهير فقط لتكون هذه الدراسة نواة لدراسات مستقبلية تكشف بشكل مفصل عن دور هذه القبيلة في تاريخنا المجيد .
لقد جاءت هذه الدراسة في بابين تشتمل على تسعة فصول مسبوقة بمقدمة و تمهيد و مذيلة بخاتمة سجلت فيها بعض الملاحظات التي خرجت بها الدراسة .
و تحدث التمهيد بشكل مختصر عن نسب قبيلة بلي ، و مكانة أبناء هذه القبيلة في التاريخ القديم فضلاً عن الحديث عن موطنها و أهر بطونها و علاقتها بالإمبراطورية البيزنطية و القبائل العربية .
أما الباب الأول فقد أفرد لدور قبيلة بلي في نصرة الاسلام و يحتوي على خمسة فصول تتحدث عن موقف هذه القبيلة من الاسلام ، و جهادها مع المصطفى صلى الله عليه و سلم و دورها في حروب الردة ، و الفتوحات الإسلامية ، الى جانب الحديث عن دور أبناء هذه القبيلة في القيادو الإدارة .
و خصص الباب الثاني لدور قبيلة بلي في الحياة العلمية ، و يشتمل على أربعة فصول ، تناولت إسهامات أبناء هذه القبيلة في مختلف فنون المعرفة من حديث ، و تفسير و قراءات ، و أدب ، و شعر ، و بلاغة ، و نحو ، و رحلة ، و تاريخ و غيرها .
و بعد ، فإن هذه الدراسة مدينة للأخوة الباحثين الذين حققوا بعض الأعمال العلمية لأبناء هذه القبيلة . فعرفوا القارئ العربي و الأجنبي بتراث هذه القبيلة ، فلهم مني نيابة عن أبناء هذه القبيلة خالص الشكر و التقدير ، فقد أفدت من جهودهم في بناء هذه الدراسة . كما أن الشكر موصولاً لكل الذين شجعوا هذه الدراسة و دعموها حتى رأت النور .
و أخيراً أقول ما قال الأجداد إن كان عمل لا يخلو من نقص فما كتبته اليوم قد تغيره غداً ، فإذا نظرت فيه بعد مدة أخذت تتمنى و تقول لو فعلت كذا ، و لو حذفت كذا ، و لو زدت كذا ، و هكذا هو ديدن الإنسان ، فأنا دوماً أردد مع الشاعر قوله :
و ما أبرئ نفسي إنني بشر = أسهو و أخطئ ما لم يحميني قدر
و ما ترى عذراء أولى بذي زلل = من أن يقول مقراً إنني بشر
و الحمد لله رب العالمين
بالامكان تحميل المادة كاملة من هنا
http://www.bluwe.com/bluwe/showthrea…171#post183171
ملاحظة /
الحقوق محفوظة لمنتدى بلي الرسمي www.bluwe.com
و لا أحل نسخه مطلقاً الا بعد وضع رابط المنتدى و الموضوع لا أكتفي بكلمة منقول ( لا بد من وضع الرابط )
[ad_2]
المصدر الأصلي للموضوع