[ad_1]
س1
كتب في الذاكرة، تاج المفرق
مؤلف كتاب «تاج المفرق في تحلية علماء المشرق» هو الرحاله «خالد بن عيسى البلوي» الذي ينتسب الى قبيلة البلويين، المنتشرة في عدة بلاد اسلامية، كجزيرة العرب والاندلس والمغرب.
سافر من موطنه الاندلس الى المشرق، واثناء رحلته هذه كتب المؤلف كتابه، «الأقطار» فوصف ما شاهد من الاقطار وتحدث عمن اتصل بهم من الرجال، وقيد مذكراته فلما عاد نقح كتابه، واطلع عليه رجال الفكر والثقافة.
ومن غريب المصادفات ان يكون «البلوي» قد رحل في السنوات التي رحل فيها «ابن بطوطة» الذي لم يكتب اثناء رحلته وانما سجل ملاحظات وقد اشتهر المغاربة والاندلسيون بتأليف كتب الرحلات ويرجع ذلك لبعدهم عن «مكة المكرمة» ورغبتهم في اداء فريضة الحج.
ولعل رحلة «البلوي» احد اهم الكتب التي وصلت الينا من القرن الثامن الهجري، الذي يكاد مؤرخو الفكر المغربي والاندلسي، ان يتفقوا على انه كان قرنا خصب الفكر، كثير الانتاج، عميق البحث.
والكتاب يعطي صورة لصناعة النثر الاندلسي وتطوره في القرن الثامن الهجري وكانت تجربته الشخصية ووقوفه بنفسه على المشاهد والآثار هي المصدر الحق لرحلته، كما ان ملاحظاته الادبية وانطباعاته الشخصية هي جزء اساسي من تعبير ذلك العصر وافكاره.
تبدأ رحلة البلوي بمقدمة وبعدها سرد عن خروجه من الاندلس ووصوله الى «تلمسان» فالجزائر فبجاية ثم تونس التي غادرها الى مالطة، فقبرص فالاسكندرية فالقاهرة حيث دخلها سنة 737 هجرية في عهد «الناصر محمد قلاوون» التي كانت علاقته حسنة مع الاندلس والمغرب.
ثم يصف خروجه من القاهرة الى غزة، فبيت المقدس فتبوك فوادي القرى، الى المدينة المنورة، ثم الى مكة المكرمة، وكذلك طريق العودة.
وقد سلك «البلوي» نفس الطريق التي سلكها «ابن بطوطة» بل انهما سافرا معا، عن طريق «تلمسان والجزائر وبجاية حتى تونس» حيث افترقا، فسافر «البلوي» الى الاسكندرية بحرا، على حين تابع «ابن بطوطة» طريق البر.
ويتفقان معا في وصف كل الاماكن المقدسة، وقد شغف كل منهما بملاقاة الرجال، غير ان البلوي يبحث عن كبار علماء الحديث والادب، ويتعرف عليهم ويتصل بهم ويأخذ عنهم ويروي سندهم، بينما نرى «ابن بطوطة» يعني بمعرفة اسمائهم وألقابهم غير حافل باختصاصاتهم ويبدو ان «البلوي» كان مطلعا على كتب الجغرافيا، عارفا بعلومها، وقد ورد في كتابه ذكر لعدد كبير من الذين ألفوا في فن الرحلات ليعطينا مفتاحا لمعرفة هذا الفن.
تعتبر رحلة البلوي، رحلة ادبية، لما في اسلوبها من نثر محكم، وعبارات منتقاة، وقد استوفت شروط الرحلات الادبية حيث اهتم بالمدن والقرى والجزر البحرية بشكل خاص، وبذلك فان ما قدمه يعد معجما جغرافيا لعدة مدن اقام بها في طريقه الى الحج وهو يضبط اسم المدينة كتابة ويشكلها.
كما يذكر عددا من كتب الشروح والفهارس والاسانيد ودواوين الشعر مما يدل على المامه بثقافة عصره، واطلاعه على المصادر المعروفة في وقته بل ان وظيفة القضاء التي تسلمها لم تمنعه من الاشتغال بالادب ومخالطة شعراء الاندلس، وما رحلته الا حلقة من سلسلة الرحلات التي عرف بها المغاربة والاندلسيون منذ فجر التاريخ الاسلامي وهي لا تقل شأنا عن رحلات «ابن رشد وابن بطوطة» في جوانبها الجغرافية والتاريخية والادبية والاجتماعية، فهو كما قال عنه ابن الخطيب: هذا الرجل من اهل الفضل، كثير التواضع، حسن الاخلاق، جميل العشرة محبب في الادب».
ومؤلفنا لم يأت من فراغ، فقد نشأ في اسرة علمية متدينة، ثم رحل الى غرناطة ودرس فيها، وكان مولعا برواية الشعر العربي وحفظه وبخاصة الشعر الاندلسي، وكتابه مليء بمحفوظاته في هذا الباب وقد روى لنفسه كثيرا من القصائد والمقطوعات، ومنها قصيدته الرائعة التي انشدها، لما تراءت له المدينة المنورة، كما انه عالج الموشحات، وكان له فيها شأن يذكر، كما كان «البلوي» حسن الخط، يكتب بسرعة واتقان، حيث قيل عن خطه: يتنافس فيه السمع والبصر، وكان اضافة لذلك، حسن الصوت يتحلى الناس برنين انشاده، وقد كان محتدما بين علماء المشرق والمغرب.
إعداد ـ محمد سطام الفهد
[ad_2]
المصدر الأصلي للموضوع